المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلبك الخبير يريد صنع القرار؟



SHAIMMAA
04-26-2013, 03:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


قلبك الخبير يريد صنع القرار؟
أربعة امتحانات إن اجتازها فاترك له الخيار!

آندرو كامبل – جو وايتهيد
أحد أهم الأسئلة التي تلاحق القادة هو: متى يمكن لك الثقة بنداء قلبك ومواهبك الفطرية والاطمئنان إلى حدسك؟
تبيّن حوارات الخبراء والممارسين والباحثين، ومكتشفات عملنا على دراسة وتحليل القرارات المغلوطة تبيّن أن القائد لا يمكنه منع حدسه (أو ما يقال له الحس العميق Gut) من التأثير على أحكامه. ما يمكنه فعله هو اكتشاف وتفهّم الأحوال التي يتصاعد فيها التعرض للانحياز ثمّ تعزيز عملية صنع القرار لتقليص الخطورة الناشئة.
لا تقمعوه! تفهموه واستثمروه
الحدس ليس غازياً غريباً.. إنه مواطن دائم الإقامة والعمل في أدمغتنا
يدخل حدسنا (gut intuition) ضمن خبراتنا المتراكمة (accumulated experiences) دخولاً اندماجياً تفاعلياً توليدياً (synthesized way) بحيث يمكننا تكوين الأحكام والقيام بالتصرفات تلقائياً دون انتظار أية اعتبارات يقدمها المنطق والوعي.
تأمّل في كيفية رد فعلك عندما تنحرف بسيارتك من غير قصد فتسير فوق الخط المنصّف للطريق ذي الاتجاهين، أو حين تلمح سيارة جانبية تقفز فجأةً لتعترض المسار أمامك، ماذا يحدث؟ في تلك الأحوال ترى جسدك كله يستنفر فوراً وتدوّر يداك عجلة القيادة تدويراً لاواعياً قبل أن يذهب أي وقت تقريباً في التدبّر وتقدير ردة الفعل الملائمة لذلك الموقف.
يشتغل دماغ البشر بطريقة مماثلة لما نراه في مثال السيارة هذا حتّى عندما نصنع قرارات أكثر راحةً يتاح فيها مجال أوسع للتروّي. في الواقع، تبين آخر النتائج في أبحاث علم أعصاب صناعة القرار أن أحكامنا تصدر عن وزننا اللاواعي "لملصقات" شعورية مربوطة بذكرياتنا أكثر من صدورها عن وزننا الواعي للمحاسن والمآخذ الملاحظة بعين المنطق، أي: إننا نبدأ بالشعور بشيء –وكثيراً ما يكون ذلك قبل أن نفكر تفكيراً واعياً بأي شيء- ولعلّ كل واحد منّا يعرف مثالاً على قول أحدهم –مهما كان هذا الواحد معروفاً بالتزام العقلانية- "لا أستطيع وضع يدي على ثغرة منطقية فيما تقول، لكنّ معدتي ترفض ابتلاعه!.."
وبالنظر إلى التأثير القوي للمشاعر الإيجابية والسلبية على ساحة لاشعورنا، يصبح مغرياً القول بأنّ على القادة أن لا يثقوا بحدسهم. أي: يجب عليهم أن يصنعوا قراراتهم صناعة ترتكز على التحليل الموضوعي المنطقي وحسب. لكنّ هذه النصيحة تتجاوز حقيقة أننا لا نستطيع تفادي تأثير أصوات حدسنا الفطرية. إنها تؤثر على طريقة تأطيرنا للموقف. تؤثر على الخيارات التي نختار تحليلها.
إنها تجعلنا نختار الاستماع لنصح أناس معينين، وإيلاء اهتمام أقل لما يقوله آخرون. تشجّعنا على تجميع معطيات أكثر في اتجاه معين والمرور بنظرنا مروراً سريعاً في اتجاهات أخرى. تؤثر على مقدار الوقت والجهد الذي نضعه في القرارات. بكلمات أخرى: إنها تتخلّل في صناعة قرارانا حتّى ونحن نجهد في أن نكون تحليليين وعقلانيين.
يعني هذا: لوقاية قرارنا من الانحياز، أولاً نحتاج لمعرفة متى يمكننا أن نأتمن إحساساتنا العميقة، مطمئنين إلى أنها تنبع من تجارب ومشاعر مواتية مجدية في الموقف الذي نحن فيه.
في الإجابة على هذا المطلب هناك أربعة اختبارات:
1- اختبار الاعتياد:
هل مررنا من قبل بمواقف مطابقة أو مماثلة؟ وخبرتنا فيها تهدينا أم تضللنا؟
الاعتياد (أو الألفة familiarity) ركيزة مهمة لأنّ لاوعينا يعمل بطريقة تعرّف وإكمال الأنماط patterns. إن كان لدينا كثير من الذكريات المواتية لنمرّ عليها فإن حكمنا سيكون أقرب للصواب. وهكذا نرى اللاعبين الأساتذة في الشطرنج يمكنهم اختيار نقلات موفّقة في بضع ثوان.
كلمة "مواتية" هي الكلمة المحورية هنا لأن كثيراً من القرارات الكارثية يستند إلى خبرات يتبين فيما بعد أنها كانت مضللة للقرار لا هاديةً له. ومثالاً على ذلك: قرار الجنرال ماثيو برودريك المسؤول في وزارة الأمن الداخلي الأمريكية المتخذ في 29 أغسطس 2005 بتأخير التدخل الفدرالي بعد ضربة الإعصار كاترينا.
إنّ الطريق لتقدير مدى ألفتنا بالموقف الذي نريد صنع قرار فيه هو تفحص الارتيابات الرئيسة في ذلك الموقف: هل لدينا الخبرة الكافية لصنع تقديرات وأحكام صحيحة بشأنها؟ والارتيابات الرئيسة التي كان برودريك يواجهها كانت تدور حول: مدى الأضرار التي لحقت بالسدود وحواجز الفيضان، وكم كانت المخاطر التي تحدق بالناس في نيوأورلينز. لسوء الحظ، فإن خبرته الماضية في الأعاصير كانت في مدنٍ كبيرة الارتفاع عن مستوى البحر، وردة فعله التلقائية المكتسبة منها: التريّث حتى نرى الوقائع الميدانية، تبيّن في النهاية أنّها كانت قراراً كارثياً في تلك المنطقة المنخفضة.
هناك تقنيات مثل تقنية غاري كلاين في "تشريح الحالة الاستباقي premortem" لتحديد مواضع فشل المشروع المحتملة، تساعد في إضاءة هذه الارتيابات وإظهارها إلى السطح. لكنّ هذه التقنيات ليست خيارنا الوحيد إذ يمكننا أيضاً أن نقوم ببساطة بوضع لائحة بالارتيابات ثم تقييم مدى امتلاكنا الخبرة الكافية المؤهلة للحكم فيها حكماً حسناً.
2- اختبار التغذية الراجعة:
في تجاربنا الماضية هل كنا نتلقى رأي معارضة يوقظنا أم صدى موافقة يخدّرنا؟
التجربة الماضية مفيدة لنا فقط إن كنا نتعلم منها الدروس الصحيحة. في لحظة صنعنا لقرار فإن دماغنا يلصق به شعوراً إيجابياً، يسجله في السجلات بوصفه حكماً صائباً. لذلك، إن لم نكن نتلقى تغذية راجعة حقيقية يعوّل عليها فإن ملصقاتنا العاطفية يمكن أن تقول لنا إنّ أحكامنا السابقة كانت حسنة، رغم أن تقييماً موضوعياً سيخلص إلى اعتبارها أحكاماً رديئة.
مثلاً: إن غيّرنا وظيفتنا وتركنا موقع عملنا قبل أن يتضح تأثير حكمنا، أو إن كنّا محاطين بأناس يفلترون المعلومات التي نتلقاها ويحموننا من سماع ما لا يحلو لنا، فمن أين لنا الحصول على التغذية الراجعة التي نحتاج؟
إنّ هذا هو السبب في الأثر التخريبيّ الهائل المنسوب إلى زمرة مدمني التصفيق والموافقة المحيطين بالقادة: إنهم يقطّعون مسارات تغذية راجعة مهمة جداً لجعل دماغ المتلقي يركّب اللصاقة الشعورية المناسبة على كل حكم وتصرّف معيّن.
3- اختبار قياس أوزان وآثار المشاعر:
هل نقيس مشاعرنا التي أحسسنا بها في مواقف مشابهة أو متصلة بالموقف الراهن؟
كل ذكرياتنا تأتي مع ملصقات أو ملحقات شعورية، لكنّ بعضها يكون مشحوناً بشدة أعلى من غيره. إن كان الموقف يحضر إلى الذهن مشاعر عالية الشحنة فإن هذا يمكن أن يخل باتزان حكمنا. معرفتنا من خلال التجربة الشخصية أن الكلاب تعض أمر مختلف عن معاناتنا في الطفولة تجربةً مريعةً مع الكلاب حفرت أذاها الصادم في النفس حفراً. التجربة في الحالة الأولى سوف تعينك في إتقان التصرف مع الكلاب، ولكنّ التجربة في الحالة الثانية ستجعلك ترتعد وتتوتّر وتعجز عن التعامل مع أي كلب مهما كان أليفاً مستأنساً.
وخذ في عالم الأعمال مثلاً: رئيس مجلس إدارة سبق أن تكبّدت شركةٌ معينة تحت قيادته وبقراره المباشر خسارة مالية فادحة في تعامل مع طرفٍ روسيّ. ترك ذلك المدير تلك الشركة ليعمل مع فريق قيادة شركة جديدة، والآن فإنّ هذه التجربة الصادمة ذات الأثر العميق المزمن جعلته يتوجس خيفةً من مقترح بتوسيع أعمال شركته الجديدة في روسيا. إن كان هذا الرئيس يدرك الفرصة الكبيرة لتأثير تلك التجربة العميقة المشحونة في تحريف حكمه وتشويه قراره فماذا سيصنع؟.. نعم نراه يشعر بواجب البوح بمخاوفه ثم يمضي إلى أن يطلب من بقية أعضاء مجلس الإدارة تولّي اتخاذ القرار النهائيّ في تلك المسألة.
4- اختبار الاستقلالية:
هل نحن معرّضون للتأثر بأية مصالح أو صلات شخصية؟
إن كنّا بصدد تقرير الاختيار بين موقعين لمكاتب منظمة أحدهما أكثر ملائمةً لنا شخصياً، فينبغي لنا الاحتياط والحذر حذراً مضاعفاً. لاشعورنا سيكون لديه ملصقات شعورية أكثر إيجابية معلقة بالموقع الأكثر مناسبةً لنا. لهذا السبب توجد هذه الممارسة المعيارية: أن يطلب من أعضاء مجلس الإدارة الذين لديهم مصالح شخصية في قرار معين مغادرة الاجتماع أو الامتناع عن التصويت. كذلك لهذا السبب تجد الأمريكان يتقبلون بكل سرور مقولة "لا تصويت للديك الرومي على مأدبة الكريسماس".
وعلى الصلات الشخصية ينطبق الأمر ذاته، لا يمكن لبشر الانفكاك من آثارها: في إحدى التجارب طلب أستاذ في هارفارد من مجموعة مدقّقين أن يبيّنوا له كيف أن تدريبهم الاحترافي يجعلهم قادرين على تحرّي الموضوعية في التوصّل إلى قرار تدقيق بغض النظر عن طبيعة علاقتهم بالشركة. ولكنّهم بينوا له العكس.
إن كنت ترى انحيازك فاحذره مرة..
وإن كنت لا تراه فاحذره عشراً
إن فشل موقف صناعة القرار في اجتياز واحد وحسب من هذه الاختبارات الأربعة فإننا نحتاج إلى تعزيز عملية صنع القرار حتى نقلّص مخاطرة التوصل إلى حصيلة بائسة.
عموماً هناك ثلاث طرق لفعل هذا:
حوكمة أقوى. أو خبرة ومعطيات إضافية. أو مزيد من الحوار وتحدّي الافتراضات والتحليلات.
في كثير من الأحيان، الحوكمة الأقوى، المتمثلة في هيئة رئيس يستطيع التراجع ونقض حكم مسبق، تكون هي الوقاية الأفضل. لكنّ إقامة عملية الحوكمة القوية يمكن أن تكون شاقة واستدامتها باهظة الكلفة. (فكر في مجلس النواب مثلاً أو مجلس إدارة شركة) لذلك يبدو في العادة من الأرخص البحث عن حمايات مؤسسة على الخبرة والمعطيات أو على الحوار والتفنيد المتحدّي.
في التسعينات –مثلاً- كان جاك ويلش يعرف أنه سيواجه قرارات صعبة حول كيفية استثمار الإنترنت، واختار اللجوء إلى التجربة الإضافية كحل وقائي في مواجهة التحيزات التي يمكن أن توجد لديه. استأجر مرشداً في شؤون الإنترنت كان أصغر منه سناً بخمس وعشرين سنة وشجّع أعضاء إدارته العليا على أن يفعلوا مثله.
وأمّا وارن بافيت فنراه ينصح بالتفنيد والتحدّي الإضافيّ كحل للتحيزات التي تنشأ أثناء عمليات الاستحواذ. حيثما كانت شركة تدفع جزءاً من الثمن على هيئة أسهم فإنه يقترح استخدام "مستشار معادٍ للصفقة" يُربط حصوله على تعويضٍ دسم بشرط هو: أن لا تتمّ هذه الصفقة.
لا توجد حمايات عامة الصلاحية. تقنيات "التشريحات المسبقة" يمكنها أن تظهر الارتيابات المخفية إلى السطح، لكنها لا تحمي من المصالح الشخصية. المعطيات الإضافية يمكن أن تتحدى الافتراضات لكنها لن تعين صانع القرار الواقع تحت تأثير تجربة شعورية جارفة.
إن كان لنا أن نصنع قرارات أفضل فإننا نحتاج أن نتعمّق بالتفكير في كل من: كيف يمكن لأحاسيسنا العميقة أن تخذلنا، وما عساها تكون الحمايات المثلى في كل موقف بحد ذاته. ينبغي أن لا نتجاهل أحاسيس أعماقنا. لكن ينبغي أيضاً أن نعرف متى يمكننا الاعتماد عليها ومتى ينبغي مضاعفة الاحتياط منها.



منقول


مع تحياتى