تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الاعجاز العلمي بسورة يوسف



د.خلف عبدالله الوردات
08-25-2012, 11:51 AM
د.خلف عبدالله الوردات
الاعجاز العلمي بسورة يوسف



الاعجاز الاقتصادي

أحسن القصص......قصة يوسق عليه السلام.. قصة بلغ فيها الجمال ودقة الاعجاز حدا جعل كل جزئية فيها حكمة تكاد تستقل بذاتها.. وفيها من الخطط المستقبلية مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدره على النتائج .. وفيها من المتابعة والإشراف على تنفيذ ما تم التخطيط والتنظيم له ، لمعرفة جوانب القوة في التنفيذ من أجل الإبقاء عليها... وفيها من التوجيههم إلى ما يفعلونه في تلك السنين، وذلك بادخار ما استغلوه في السنوات السبع في سنبله .. وفيها رمز العفة الغواية ، وقدروة العفو ممن يملك القدرة على الانتقام.. هذا وغيره كثير اوردتة السورة القرانية الكريمة في نسق ادبي رائع اكتملت فيه قوة (الحبكة) وبلاغة التعبير.

ولكن الرائع ان ياتي في اطار القصة مواجهة علمية عميقة للازمة الاقتصادية عند اشد مستوياتها.
مواجهة بلغت من دقتها حدا تفوقت به على الحلول الانسانية .
والازمة الاقتصادية تركزت في هذه السورة عند قضية الامن الغذائي ، والذي يمثل امس الحاجات الاقتصادية للانسان على مختلف العصور،والعبرة منها ما تزال قائمة المواجهة لكل ازمات البشر.
والقصة .. قصة فرعون لسبع بقرات سمان ياكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر زأخر يابسات ، كما اوردها النص المبارك: قال تعلى " (قَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ..
وجاءة رد الجميع وهم لا يدركون لهذه الرؤيا تأويلا..وعجزوا عن تفسير معزها وأذا بساق الملك – وكان سجينا قبل مع يوسف ويعلم قدرته على التاويل اذا به يتذكره فيسرع اليه: قال تعالى : " يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46(.

والموقف برغم ما تلوح منه فرصة المساومة على الخروج من السجن في مقابل تاويل الرؤيا الا ان الانتهازية ليست من شيم الانبياء وانما هم حين يتعاملون مع الخلق فانهم يبذلون من انفيهم في سبيل الله ولا يرجون من البشر جزاءا ولا شكورا،ويؤثر ان الرسول هلى الله عليه وسلم حين ذكر هذا الموقف من سورة ترحم عليه اعجابا به.

تاويل ومعالجة الازمة:
وراح يوسف عليه السلام يقص التاويل،ولكن لم يقف عند حدود التاويل والتفسير للرؤيا، وانما شمل تاويله بتصور لعلاج الازمة وكيفية تجاوزها في نفس الوقت.

وبدلا من ان بقول لهم ستواجهون ازمة جفاف بعد سبع سنوات من الرخاء ستمتد بدورها الى سبع سنوات اخر..اخبرهم:
"قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ" (47(
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48)
والازمة هنا تكاد تبلغ اعنف مستوياتها..اربعة عشر عاما من الحاجات الغذائية يجب تلبيتها من انتاج سبع سنوات فحسب من الموارد...اي ان الحاجات تبلغ ضعف الموارد المتاحة.

الحل
ويوسف عليه السلام حين تجاوز حدود تأويلة للرؤيا الى اقتراح حل للازمة..أورد ذلكلاالحل في كلمات قليلة حين قال:
" تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا.."
الابعاد المادية لمعالجة ومواجهة الازمة كما اولها يوسف عليه السلام:-

1- بذل الجهد المتواصل ورفع الكفاية الانتاجية
الدأب لغة معروف .. وهو بذل الجهد المتواصل في العمل مع تحمل المشتقة، والعمل الؤوب العمل المستمر دون انقطاع اي ما يعرف دوام الورديات حتى يتمسر العمل والانتاج ، حيث جاء في مختار الصحاح "(دأب) في عمله جد وتعب".
وحين يرتبط ذلك الجهد بالزراعة وهي ام الموارد الاقتصادية فان هذا لا يخرج في التعبير الاقتصادي عن دعوة الى رفع الكفاية الانتاجية وزيادة الانتاج.

2- الكفاية الاقتصادية للحد من الاستهلال
ويأتي الشطر الاخر من الاية مبين سياسة التخزين لمواجهة الخطر ، ومحذرا من التفريط في الاستهلاك حين قال " فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47( .
وكلمة (مما) تفيد ألتبعيض كما يقول علماء اللغة.. أي تاكلون جزءا من بعض ما تعودتم على استهلاكه في ظروفكم العادية، وهي تنبيه على الحد من الاستهلاك ودعوا الى الاعتدال في الاقتصاد.

2- الادخار
وبعد هذا تأتي كلمة أخيرة في ختام التاويل لها دلالتها الاقتصادية المعبرة.. حين أشار يوسف عليه السلام الى ابقاء جزء من الموارد مدخرا يكون من الوفرة بما يتجاوز عمر الازمة ويعبرها بسلام حين قال :
"ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48)".

والاحصان هو حفظ الشىء بحرص يكاد يبلغ بصاحبه حرصة على الشرف .. ومن هنا تذكر المومنات بوصفهن "محصنات" لما يحرصن عليه من حفظ لشرفهن. واذا تعلق هذا الحرص والحفظ بالموارد الغذائية .. فان الامر لا يخرج عن مدلول الادخار، وبذا ارسى يوسف علية السلام الركن الثالث في علاج الازمة وهو الادخار


الادارة والتقييم طريق نجاح مواجهة الازمة
ان ادارة الموارد اخطر المؤثرات تحقيقا لنتائجا ، وخلل الادارة للموارد ينعكس اثره بصورة سلبية في تفريغ وسائل العلاج من عناصر نجاحها.. فقد اضطلاع يوسف بدَوره الإداري الفَعَّال وعبّر عن الرؤيا بتعبيراً دقيقاً لا غموض فيه مقروناً بما ينبغي عمله في المستقبل يقول الله تعالى "تزرعون سبع سنين.."، "ثم يأتي من بعد ذلك سبع.."، "ثم يأتي..عام.."، حيث يتبين لنا من خلال الآيات السابقة تأثير الزمن في التخطيط لمواجهة الأزمات في عصر سيدنا يوسف عليه السلام.

وحدد التهديدات التي سوف تحلّ بتعبيراً دقيقاً لا غموض فيه مقروناً بما ينبغي عمله "القحط لسبع سنين متوالية فلا أمطار ولا زراعة كافية، وقدم التوصيات للاستفادة ممّا جمع في سنيّ الرخاء “ثمّ يأتي بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهنّ”.

ووضع هدف تنفيذي بتقييد وتنظيم استهلاك الطعام “إلاّ قليلا ممّا تحصنون” نتيجة هذا الهدف سيودي الى الاستعداد لإعادة الاستثمار “يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس”. و”يغاث الناس” أي يدركهم الغيث فتكثر خيراتهم.

وبداء بترتيب البرامج والانشطة المترديّة في ذاك البلد الكبير، ويجعل الزراعة وتنظيمها برنامجة الأوّل وخاصّةً بعد وقوفه على أنّ السنين القادمة هي سنوات الوفرة حيث تليها سنوات المجاعة والقحط، فيدعو الناس إلى الزراعة وزيادة الإنتاج وعدم الإسراف في استعمال المنتجات الزراعية وتقنين الحبوب وخزنها والاستفادة منها في أيّام القحط والشدّة.. .
لم يكتفي يوسف عليه السلام بطرح اقتراحه لحل الازمة؟ وانما الى جانب ذلك ركنا هاما في علاجها ..وهو من الذي سيقوم بادارة علاج الازمة ويباشر حلها؟

هنا ينهض يوسف بسؤوليته ، بتنظم وتوزيع الأعمال المختلفة على العاملين كل في مجاله تخصصه ، وإعطاء هؤلاء العاملين الصلاحيات لإنجاز ما اسند إليهم من أعمال في أقصر وقت ممكن، وبأقل تكلفة وبأعلى مستوى للأداء. ،لم يطلب يوسف لنفسه شيا فوق الحرية الا ان بفوضة فرعون في امر مواجهة الازمة،وقال للملك اجعلني مشرفاً على خزائن هذا البلد فإنّي حفيظ عليم كوني شخص متمرس ولدي معرفة تامّة بأسرار المهنة وخصائصها “قال اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم”. فالعبرة ليست بمجرد طرح الحلول وانما بالصلاحية والكفاءة الادارية الرشيدة (الحوكمة) التي تستطيع ادارة الازمة والسيطرة عليها.

الكفاءة الادارية في مواجهة الازمة
استند يوسف عليه السلام الى ركنين:-
1- الكفاءة والاحاطة والعلم بمقتضى العمل حيث قال".. إنّي حفيظ عليم”. وهذا هو مفهوم الامانة والنزاهة والشرف .. عليم ..
2- ادارة الموارد وهي من اخطر المؤثرات تحقيقا لنتائجها ، وخلل الادارة للموارد ينعكس اثره بصورة سلبية في تفريغ علاج الازمة من عناصر نجاحها مهما اكتملت لها عناصر نظرية علمية.

ويستطرد بعد ذلك السياق القراني بما يشير الى نجاح يوسف في مواجهة الازمة حين اشار الى مساعدته للاقاليم المحيطة بصر خلال سنوات القحط والجفاف والمجاعة، وذلك حين لجا اليه اخوانهطلبا لمعونته وهم لا يعرفون انه اخوهم .."وهم منكرون.." ولو كانوا يعرفونه قبل .. لقلنا ساعدهم لانهم اخوته ولجاوا اليه لانه اخوهم . ولكنهم ‘ قرروا اللجوء اليه دون ان يعرفوه ، وعاملهم بمثل ما يساعد به غيرهم ، لانه ان لم يكن قد فعل ذلك ما كانوا يعرفونه من امره شيا ولا التمسوا لدية لازمتهم فرجا.

وبقيت بعد ذلك اشارة اقتصادية ذات معزى هام فلقد واجهه يوسف الامة بخطة زمنية محسوبة، حيث استندت الى علم مسبق بتاويل الهمة الله ليوسف عليه السلام..

فالتخطيط تنبؤ مرهون بمشية الله تعالى وحدد التهديدات التي سوف تحلّ بتعبيراً دقيقاً لا غموض فيه مقروناً بما ينبغي عمله "القحط لسبع سنين متوالية فلا أمطار ولا زراعة كافية، وقدم التوصيات للاستفادة ممّا جمع في سنيّ الرخاء “ثمّ يأتي بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهنّ”.

ووضع هدف تنفيذي بتقييد وتنظيم استهلاك الطعام “إلاّ قليلا ممّا تحصنون” نتيجة هذا الهدف سيودي الى الاستعداد لإعادة الاستثمار “يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس”. و”يغاث الناس” أي يدركهم الغيث فتكثر خيراتهم.

وبداء بترتيب البرامج والانشطة المترديّة في ذاك البلد الكبير، ويجعل الزراعة وتنظيمها برنامجة الأوّل وخاصّةً بعد وقوفه على أنّ السنين القادمة هي سنوات الوفرة حيث تليها سنوات المجاعة والقحط، فيدعو الناس إلى الزراعة وزيادة الإنتاج وعدم الإسراف في استعمال المنتجات الزراعية وتقنين الحبوب وخزنها والاستفادة منها في أيّام القحط والشدّة...

وهكذا نخلص بنا الرؤيا الاقتصادية لسورة يوسف الى خطة محكمة لعلاج الازمة الاقتصادية ممثلة في زيادة الانتاج والحد من الاستهلاك تم الادخار في ظل ادارة اقتصادية رشيدة بتوافر فيها ركنا الامانة والكفاءة والاحاطة والعلم بمقتضى العمل والنقطة الاخيرة تلك .. تكاد تكون اخطر واهم ركن في مواجهة الازمة ،اذا ان الادارة العامة للموارد اخطر المؤثرات تحقيقا لنتائجها.