دكتور.يسرى عبد الفتاح
12-26-2010, 10:35 PM
تعد ماليزيا من الدول الآسيوية التي لها تجربة رائدة في عملية التصنيع، فقد مثلت اليابان القدوة الصناعية التي أخذ عنها الماليزيون القيم وكيفية إعداد الخطط، كما أن ماليزيا طورت صناعاتها من تلك التي تعتمد على كثافة العمل إلى صناعات تركز على كثافة رأس المال وتحديدًا الصناعات التكنولوجية التي لها قيمة مضافة كبيرة.. فما هي قصة النجاح الصناعي لماليزيا؟
مراحل صناعية
وقد مرت تجربة التصنيع الماليزية بعدة مراحل هي:
1- مرحلة صناعات إحلال الواردات: في مطلع الستينيات تم تطبيق سياسة إحلال الواردات، وعلى أساسها قامت صناعات صغيرة الحجم وأخرى لإنتاج السلع التي تحل محل السلع المستوردة كصناعة الأغذية ومواد البناء والتبغ والطباعة والبلاستيك والكيميائيات، وتم إصدار قانون تشجيع الاستثمار في 1968 لجذب الاستثمارات الأجنبية في تلك المجالات.
2- مرحلة الصناعات التصديرية: بدأت في مطلع السبعينيات حيث شجعت الحكومة دخول الاستثمارات الأجنبية في مجال الإلكترونيات وصناعة النسيج من خلال توفير العمالة الرخيصة وحوافز ضريبية مغرية وإصدار تراخيص منتجات أجنبية وإنشاء مناطق تجارة حرة. وعملت الحكومة على استضافة الشركات متعددة الجنسية لتشغيل خطوط إنتاجية في ماليزيا، وسمحت للشركات الأجنبية التي تنتج سلعًا للتصدير بالملكية التامة دون اشتراط المساهمة المحلية.
وفي هذه المرحلة حدث تحول جذري من سياسة إحلال الواردات إلى سياسة التصنيع الموجه إلى التصدير والصناعات كثيفة العمالة كالصناعات الإلكترونية والنسيج، كما كان هناك تركيز على الصناعات المعتمدة على الموارد الطبيعية الماليزية كزيت النخيل والأخشاب والمطاط. وفي 1971 صدر قانون منطقة التجارة الحرة بهدف إتاحة المزيد من الحوافز الخاصة بالصناعات الموجهة نحو التصدير.
3- مرحلة التصنيع الثقيل والصناعات المعتمدة على الموارد الماليزية: بدأت هذه الفترة في مطلع الثمانينيات حيث شجعت الحكومة على قيام الصناعات المعتمدة على الموارد الطبيعية ثم التصنيع الثقيل وتصنيع السيارة الماليزية الوطنية (بريتون)، ثم التوسع في صناعات الإسمنت والحديد والصلب والتركيز على صناعة الإلكترونيات والنسيج التي صارت تساهم بثلثي القيمة المضافة للقطاع الصناعي وتستوعب 40% من العمالة.
ويلاحظ في هذه الفترة تمتع الصناعات الوطنية بالحماية الحكومية ودخول الدولة في مشروعات كثيرة تغطي كافة النشاطات الاقتصادية الحيوية.
4- فترة تشجيع الصناعات عالية التقنية وذات القيمة المضافة: بدأت هذه الفترة في التسعينيات وشجعت الدولة فيها الصناعات ذات التقنية العالية وكثيفة استخدام رأس المال والمتضمنة للمهارة القيمة المضافة العالية، وذلك من أجل زيادة تنافسية المنتجات الماليزية وتوسيع دائرة سوقها المحلية.
والخلاصة أن الفترة 1980-2000 شهدت توسعًا في استثمارات القطاع الصناعي حيث قام أكثر من 15 ألف مشروع صناعي بإجمالي رأس مال يصل 800 مليار رنغيت ماليزي (الدولار يساوي 3.8 رنغيت ماليزي). وشكلت فيها المشروعات الأجنبية حوالي 54% بينما المشروعات المحلية 46%، وأدت هذه المشروعات إلى إيجاد مليوني وظيفة، إلى جانب نقل التقنية الحديثة وتطوير مهارات العمالة وإيجاد قنوات تسويقية جديدة.
وتستضيف ماليزيا حاليًا حوالي 5 آلاف شركة أجنبية وتطرح سياسة الصداقة مع رجال الأعمال والمستثمرين والتي يقصد بها تسهيل الإجراءات المكتبية والإدارية والحوافز الاستثمارية إضافة إلى توفير بيئة جاذبة للعمل التجاري والاستثماري من خلال الاستقرار السياسي والخدمة المدنية المنضبطة والمنظمة، ووضوح القوانين وسهولة الإجراءات.
وتمتاز ماليزيا بتبني خطة عامة للتطوير مدتها 10 سنوات تقوم على التركيز على صناعات معينة تتميز بالتقنية العالية وكثافة رأس المال ومدفوعة بالمعرفة، والتي تنتج سلعًا وسيطة لتقليل المستورد منها. والاهتمام بقطاع تقنية المعلومات وقطاع البتروكيماويات والصيدلة والخدمات المساعدة والبحوث والتطوير والتصميم الفني للمنتجات والتسويق والإمدادات والتوزيع والتشغيل.
أسباب النجاح
وخلال هذه المراحل بدت عوامل نجاح التجربة الصناعية لماليزيا فيما يلي:
1- الاتجاه شرقا: أعلنت ماليزيا سياسة "النظر شرقًا" في 1981 وامتد العمل بها إلى 1991، ويتضمن عنوان السياسة إشارة ذات دلالة في الانتماء إلى أسراب الإوز الطائرة. وهدفت سياسة "النظر شرقاً" إلى تشجيع الماليزيين على الاقتداء والتعلم من التجربة اليابانية المواقف الإيجابية، مثل: أخلاقيات العمل والمنهجية الصناعية والتطور التقني والأداء الاقتصادي المميز.. سياسة مالية ونقدية وتجارية كلية متوازنة وحكيمة.
ولسياسة النظر شرقًا جانبان مهمان، الأول هو: الأخذ بالقيم الشرق آسيوية مثل الانضباط في العمل والتطبيقات الإدارية المنضبطة مع التركيز على العمل الجاد والإخلاص والعمل الجماعي وتشجيع الإنتاجية والاعتماد على الذات والصبر والمثابرة وإعلاء روح الأسرة الواحدة.
والجانب الثاني: التحديث والتصنيع بحلول 2020 حيث وضع ذلك في تصور رؤية استشراف المستقبل 2020.
ولم تكن عملية الأخذ بالتجربة اليابانية تقليدًا محضًا بل اختيارًا وانتقاءً لما يناسب ماليزيا ووضع ذلك في إطاره الصحيح، خاصة أن ماليزيا بلد متعدد الأعراق والأديان.
وشملت عملية الاستفادة من التجربة اليابانية جوانب نظرية وعملية، تمثل ذلك في الاستثمار الياباني المباشر حيث تعلمت ماليزيا أفكارًا عملية ووضعتها موضع التنفيذ كسياسات تعبئة المدخرات المحلية والتكوين الرأسمالي لتمويل مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقام اليابانيون بتقدم برامج التدريب المهني عن طريق وكالة التعاون الدولي اليابانية Japan International Cooperation Agency؛ وهو ما مكن ماليزيا من الاستفادة من التجربة اليابانية في مجال التدريب الصناعي ثم برامج التبادل الثقافي Cultural Exchange Programs التي مولت من جانب مؤسسات يابانية لتشجيع الماليزيين على التعرف على الثقافة اليابانية، وإتاحة الفرصة للماليزيين لدراسة التجربة اليابانية من جوانبها المختلفة.
وكان من ثمرة هذه البرامج تأسيس وحدة الدراسات اليابانية ضمن معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية الماليزي عام 1991 وهو من أشهر معاهد التفكير في ماليزيا. وعنيت الوحدة المشار إليها آنفاً بإعداد دراسات وأبحاث حول اليابان، وعقد منتديات للحوار بين الماليزيين واليابانيين، وتكوين شبكة من التعاون بين البلدين إلى جانب تنظيم المحاضرات ونشر المطبوعات وتبادل المعلومات. وكانت هناك برامج لدراسة اللغة اليابانية خصصت لمساعدة الماليزيين وتأهيلهم للدراسة في المعاهد الفنية والمهنية والجامعات اليابانية.
2- التصنيع العنقودي: انتهجت ماليزيا في نموذجها التصنيعي ما يسمى بطريقة "التصنيع العنقودي" التي تقوم على أساس وجود علاقات ترابط في شكل عنقود تنتظم حباته بين الوحدات الإنتاجية والنشاطات المتصلة بها، والتي تمثلها ثلاثة عناصر هي: الصناعات، والموردون، وخدمات الأعمال، وذلك في إطار منظومة من البنى التحتية والمؤسسات الاقتصادية التي تشمل تنمية الموارد البشرية والتقنية والخدمات الداعمة والتمويل والتأمين ونظام الحوافز.
3- دور المؤسسات في التنمية الصناعية: هناك كثير من المؤسسات والهيئات ساهمت في إنجاح عملية التنمية الصناعية نذكر منها ما يلي:
أ- هيئة الماليزية للتنمية الصناعية Malaysian Industrial Development Authority (MIDA) وتعد المحطة الأولى للمستثمرين الذين ينوون إنشاء استثمارات صناعية أو ذات صلة بالقطاع الصناعي في ماليزيا. وتقوم الهيئة بتوفير كل المعلومات المهمة عن المزايا الاستثمارية كما تتم جميع إجراءات التصاريح والتصديقات الضرورية لقيام الأعمال الاستثمارية. هذا إلى جانب مسؤوليات أخرى أهمها:
- استضافة الشركات متعددة الجنسيات لفتح مراكز تشغيل وتوزيع في ماليزيا.
- توفير الخدمات الأساسية وتيسير الوصول للعمالة المدربة والمؤهلة.
- تقديم الحوافز والمنح والامتيازات الاستثمارية.
ب- هيئة الإنتاجية القومية National Productivity Corporation، وهي هيئة اتحادية تهتم بزيادة الإنتاجية الكلية في الاقتصاد الماليزي (إنتاجية عوامل الإنتاج: رأس المال والعمل)، أنشئت عام 1962 كمركز إنتاجية بالتعاون بين الحكومة الماليزية ومنظمة العمل الدولية والصندوق الخاص للأمم المتحدة، وتحول في عام 1966 إلى مركز حكومي يهتم بالإنتاجية الكلية، ويعمل على جودة الإنتاجية الماليزية وترقيتها من أجل التنمية الاقتصادية المتوازنة، ومن مهامه تقديم مقترحات حول سياسة وتخطيط الإنتاجية، وتطوير تنمية الموارد وقيادة حركة الإنتاجية والجودة.
كما يشجع المركز على الامتياز في التطبيقات النظامية في مجال الإنتاجية والمنافسة، وتقديم معلومات وبيانات شاملة عن الإنتاجية الماليزية، ورعاية شبكة للاتصال بين المؤسسات المحلية والأجنبية في مجال الإنتاجية والجودة، إلى جانب إجراء البحوث ونشاطات التدريب وتنمية النظم الإدارية في مجال الجودة والإنتاجية وتطبيق تقنيات المعلومات.
ج- هيئة تنمية التجارة الخارجية الماليزية Malaysia External Trade Development Corporation، أسست عام 1993، وتعرف بـ "ماتريد" (MATRADE)، ومهمتها ترويج وتشجيع التجارة الخارجية الماليزية والقيام بتقديم معلومات للمصدرين والموردين الماليزيين وتطوير وتشجيع الصادرات الماليزية مع التركيز على المنتجات الصناعية، والقيام بإجراء الدراسات عن أسواق الخارجية للمنتجات الماليزية من أجل تحسين وضعها التنافسي والعمل على إيجاد قاعدة معلومات لمساعدة المصدرين الماليزيين، وتقوم ببرامج تدريب لتدريب مهارات المصدرين الماليزيين في مجال التسويق الدولي وحماية الاستثمارات الماليزية في الخارج، وهي هيئة مكونة من جهات حكومية مختلفة وممثلين للقطاع الخاص تحت إشراف وإدارة وزارة الصناعة والتجارة الخارجية.
د- هيئة التصنيع الثقيل الماليزية Heavy Industries Corporation of Malaysia (HICOM)، بدأت الهيئة الاستثمار في مجال الحديد والصلب ومشروع السيارة الوطنية بروتون Perusahaan Otomobil Nasional (PROTON) عن طريق شراكة مع شركة ميتسوبيشي اليابانية والسيارة الوطنية الثانية بيرودوا (Perodua) بالشراكة مع دايهاتسو اليابانية، إضافة إلى إقامة مجمع الحديد والصلب العملاق.
قصارى القول: إن نجاح التجربة الصناعية الماليزية مثّل أساسًا لتطور الاقتصاد الماليزي ونهضته جماعيا وانعكاسه على مستوى دخل الفرد.
مراحل صناعية
وقد مرت تجربة التصنيع الماليزية بعدة مراحل هي:
1- مرحلة صناعات إحلال الواردات: في مطلع الستينيات تم تطبيق سياسة إحلال الواردات، وعلى أساسها قامت صناعات صغيرة الحجم وأخرى لإنتاج السلع التي تحل محل السلع المستوردة كصناعة الأغذية ومواد البناء والتبغ والطباعة والبلاستيك والكيميائيات، وتم إصدار قانون تشجيع الاستثمار في 1968 لجذب الاستثمارات الأجنبية في تلك المجالات.
2- مرحلة الصناعات التصديرية: بدأت في مطلع السبعينيات حيث شجعت الحكومة دخول الاستثمارات الأجنبية في مجال الإلكترونيات وصناعة النسيج من خلال توفير العمالة الرخيصة وحوافز ضريبية مغرية وإصدار تراخيص منتجات أجنبية وإنشاء مناطق تجارة حرة. وعملت الحكومة على استضافة الشركات متعددة الجنسية لتشغيل خطوط إنتاجية في ماليزيا، وسمحت للشركات الأجنبية التي تنتج سلعًا للتصدير بالملكية التامة دون اشتراط المساهمة المحلية.
وفي هذه المرحلة حدث تحول جذري من سياسة إحلال الواردات إلى سياسة التصنيع الموجه إلى التصدير والصناعات كثيفة العمالة كالصناعات الإلكترونية والنسيج، كما كان هناك تركيز على الصناعات المعتمدة على الموارد الطبيعية الماليزية كزيت النخيل والأخشاب والمطاط. وفي 1971 صدر قانون منطقة التجارة الحرة بهدف إتاحة المزيد من الحوافز الخاصة بالصناعات الموجهة نحو التصدير.
3- مرحلة التصنيع الثقيل والصناعات المعتمدة على الموارد الماليزية: بدأت هذه الفترة في مطلع الثمانينيات حيث شجعت الحكومة على قيام الصناعات المعتمدة على الموارد الطبيعية ثم التصنيع الثقيل وتصنيع السيارة الماليزية الوطنية (بريتون)، ثم التوسع في صناعات الإسمنت والحديد والصلب والتركيز على صناعة الإلكترونيات والنسيج التي صارت تساهم بثلثي القيمة المضافة للقطاع الصناعي وتستوعب 40% من العمالة.
ويلاحظ في هذه الفترة تمتع الصناعات الوطنية بالحماية الحكومية ودخول الدولة في مشروعات كثيرة تغطي كافة النشاطات الاقتصادية الحيوية.
4- فترة تشجيع الصناعات عالية التقنية وذات القيمة المضافة: بدأت هذه الفترة في التسعينيات وشجعت الدولة فيها الصناعات ذات التقنية العالية وكثيفة استخدام رأس المال والمتضمنة للمهارة القيمة المضافة العالية، وذلك من أجل زيادة تنافسية المنتجات الماليزية وتوسيع دائرة سوقها المحلية.
والخلاصة أن الفترة 1980-2000 شهدت توسعًا في استثمارات القطاع الصناعي حيث قام أكثر من 15 ألف مشروع صناعي بإجمالي رأس مال يصل 800 مليار رنغيت ماليزي (الدولار يساوي 3.8 رنغيت ماليزي). وشكلت فيها المشروعات الأجنبية حوالي 54% بينما المشروعات المحلية 46%، وأدت هذه المشروعات إلى إيجاد مليوني وظيفة، إلى جانب نقل التقنية الحديثة وتطوير مهارات العمالة وإيجاد قنوات تسويقية جديدة.
وتستضيف ماليزيا حاليًا حوالي 5 آلاف شركة أجنبية وتطرح سياسة الصداقة مع رجال الأعمال والمستثمرين والتي يقصد بها تسهيل الإجراءات المكتبية والإدارية والحوافز الاستثمارية إضافة إلى توفير بيئة جاذبة للعمل التجاري والاستثماري من خلال الاستقرار السياسي والخدمة المدنية المنضبطة والمنظمة، ووضوح القوانين وسهولة الإجراءات.
وتمتاز ماليزيا بتبني خطة عامة للتطوير مدتها 10 سنوات تقوم على التركيز على صناعات معينة تتميز بالتقنية العالية وكثافة رأس المال ومدفوعة بالمعرفة، والتي تنتج سلعًا وسيطة لتقليل المستورد منها. والاهتمام بقطاع تقنية المعلومات وقطاع البتروكيماويات والصيدلة والخدمات المساعدة والبحوث والتطوير والتصميم الفني للمنتجات والتسويق والإمدادات والتوزيع والتشغيل.
أسباب النجاح
وخلال هذه المراحل بدت عوامل نجاح التجربة الصناعية لماليزيا فيما يلي:
1- الاتجاه شرقا: أعلنت ماليزيا سياسة "النظر شرقًا" في 1981 وامتد العمل بها إلى 1991، ويتضمن عنوان السياسة إشارة ذات دلالة في الانتماء إلى أسراب الإوز الطائرة. وهدفت سياسة "النظر شرقاً" إلى تشجيع الماليزيين على الاقتداء والتعلم من التجربة اليابانية المواقف الإيجابية، مثل: أخلاقيات العمل والمنهجية الصناعية والتطور التقني والأداء الاقتصادي المميز.. سياسة مالية ونقدية وتجارية كلية متوازنة وحكيمة.
ولسياسة النظر شرقًا جانبان مهمان، الأول هو: الأخذ بالقيم الشرق آسيوية مثل الانضباط في العمل والتطبيقات الإدارية المنضبطة مع التركيز على العمل الجاد والإخلاص والعمل الجماعي وتشجيع الإنتاجية والاعتماد على الذات والصبر والمثابرة وإعلاء روح الأسرة الواحدة.
والجانب الثاني: التحديث والتصنيع بحلول 2020 حيث وضع ذلك في تصور رؤية استشراف المستقبل 2020.
ولم تكن عملية الأخذ بالتجربة اليابانية تقليدًا محضًا بل اختيارًا وانتقاءً لما يناسب ماليزيا ووضع ذلك في إطاره الصحيح، خاصة أن ماليزيا بلد متعدد الأعراق والأديان.
وشملت عملية الاستفادة من التجربة اليابانية جوانب نظرية وعملية، تمثل ذلك في الاستثمار الياباني المباشر حيث تعلمت ماليزيا أفكارًا عملية ووضعتها موضع التنفيذ كسياسات تعبئة المدخرات المحلية والتكوين الرأسمالي لتمويل مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقام اليابانيون بتقدم برامج التدريب المهني عن طريق وكالة التعاون الدولي اليابانية Japan International Cooperation Agency؛ وهو ما مكن ماليزيا من الاستفادة من التجربة اليابانية في مجال التدريب الصناعي ثم برامج التبادل الثقافي Cultural Exchange Programs التي مولت من جانب مؤسسات يابانية لتشجيع الماليزيين على التعرف على الثقافة اليابانية، وإتاحة الفرصة للماليزيين لدراسة التجربة اليابانية من جوانبها المختلفة.
وكان من ثمرة هذه البرامج تأسيس وحدة الدراسات اليابانية ضمن معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية الماليزي عام 1991 وهو من أشهر معاهد التفكير في ماليزيا. وعنيت الوحدة المشار إليها آنفاً بإعداد دراسات وأبحاث حول اليابان، وعقد منتديات للحوار بين الماليزيين واليابانيين، وتكوين شبكة من التعاون بين البلدين إلى جانب تنظيم المحاضرات ونشر المطبوعات وتبادل المعلومات. وكانت هناك برامج لدراسة اللغة اليابانية خصصت لمساعدة الماليزيين وتأهيلهم للدراسة في المعاهد الفنية والمهنية والجامعات اليابانية.
2- التصنيع العنقودي: انتهجت ماليزيا في نموذجها التصنيعي ما يسمى بطريقة "التصنيع العنقودي" التي تقوم على أساس وجود علاقات ترابط في شكل عنقود تنتظم حباته بين الوحدات الإنتاجية والنشاطات المتصلة بها، والتي تمثلها ثلاثة عناصر هي: الصناعات، والموردون، وخدمات الأعمال، وذلك في إطار منظومة من البنى التحتية والمؤسسات الاقتصادية التي تشمل تنمية الموارد البشرية والتقنية والخدمات الداعمة والتمويل والتأمين ونظام الحوافز.
3- دور المؤسسات في التنمية الصناعية: هناك كثير من المؤسسات والهيئات ساهمت في إنجاح عملية التنمية الصناعية نذكر منها ما يلي:
أ- هيئة الماليزية للتنمية الصناعية Malaysian Industrial Development Authority (MIDA) وتعد المحطة الأولى للمستثمرين الذين ينوون إنشاء استثمارات صناعية أو ذات صلة بالقطاع الصناعي في ماليزيا. وتقوم الهيئة بتوفير كل المعلومات المهمة عن المزايا الاستثمارية كما تتم جميع إجراءات التصاريح والتصديقات الضرورية لقيام الأعمال الاستثمارية. هذا إلى جانب مسؤوليات أخرى أهمها:
- استضافة الشركات متعددة الجنسيات لفتح مراكز تشغيل وتوزيع في ماليزيا.
- توفير الخدمات الأساسية وتيسير الوصول للعمالة المدربة والمؤهلة.
- تقديم الحوافز والمنح والامتيازات الاستثمارية.
ب- هيئة الإنتاجية القومية National Productivity Corporation، وهي هيئة اتحادية تهتم بزيادة الإنتاجية الكلية في الاقتصاد الماليزي (إنتاجية عوامل الإنتاج: رأس المال والعمل)، أنشئت عام 1962 كمركز إنتاجية بالتعاون بين الحكومة الماليزية ومنظمة العمل الدولية والصندوق الخاص للأمم المتحدة، وتحول في عام 1966 إلى مركز حكومي يهتم بالإنتاجية الكلية، ويعمل على جودة الإنتاجية الماليزية وترقيتها من أجل التنمية الاقتصادية المتوازنة، ومن مهامه تقديم مقترحات حول سياسة وتخطيط الإنتاجية، وتطوير تنمية الموارد وقيادة حركة الإنتاجية والجودة.
كما يشجع المركز على الامتياز في التطبيقات النظامية في مجال الإنتاجية والمنافسة، وتقديم معلومات وبيانات شاملة عن الإنتاجية الماليزية، ورعاية شبكة للاتصال بين المؤسسات المحلية والأجنبية في مجال الإنتاجية والجودة، إلى جانب إجراء البحوث ونشاطات التدريب وتنمية النظم الإدارية في مجال الجودة والإنتاجية وتطبيق تقنيات المعلومات.
ج- هيئة تنمية التجارة الخارجية الماليزية Malaysia External Trade Development Corporation، أسست عام 1993، وتعرف بـ "ماتريد" (MATRADE)، ومهمتها ترويج وتشجيع التجارة الخارجية الماليزية والقيام بتقديم معلومات للمصدرين والموردين الماليزيين وتطوير وتشجيع الصادرات الماليزية مع التركيز على المنتجات الصناعية، والقيام بإجراء الدراسات عن أسواق الخارجية للمنتجات الماليزية من أجل تحسين وضعها التنافسي والعمل على إيجاد قاعدة معلومات لمساعدة المصدرين الماليزيين، وتقوم ببرامج تدريب لتدريب مهارات المصدرين الماليزيين في مجال التسويق الدولي وحماية الاستثمارات الماليزية في الخارج، وهي هيئة مكونة من جهات حكومية مختلفة وممثلين للقطاع الخاص تحت إشراف وإدارة وزارة الصناعة والتجارة الخارجية.
د- هيئة التصنيع الثقيل الماليزية Heavy Industries Corporation of Malaysia (HICOM)، بدأت الهيئة الاستثمار في مجال الحديد والصلب ومشروع السيارة الوطنية بروتون Perusahaan Otomobil Nasional (PROTON) عن طريق شراكة مع شركة ميتسوبيشي اليابانية والسيارة الوطنية الثانية بيرودوا (Perodua) بالشراكة مع دايهاتسو اليابانية، إضافة إلى إقامة مجمع الحديد والصلب العملاق.
قصارى القول: إن نجاح التجربة الصناعية الماليزية مثّل أساسًا لتطور الاقتصاد الماليزي ونهضته جماعيا وانعكاسه على مستوى دخل الفرد.