المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [[ نعمة العقل ودوره في فهم النقل ]]



عبدالرحمن الدويرج
10-01-2010, 02:05 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



نعمة العقل ودوره في فهم النقل

همام محمد الجرف



بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، محمد أشرف الخلق أجمعين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغرِّ الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ثمَّ أمَّا بعد:
فكم تُثَار فكرةً حديثةً قديمةً حول شأن العقل وحُكْمِهِ، حتى وصلت إلى حد الجدلية المفتعلة بين العقل والنقل.

وأصلاً لو فُهمت ماهية العقل، لما أُثير هذا الجدل؛ ولكن القصور في العقل قد لا يُمكِّن صاحِبَه من فهم المراد في الشريعة، وبذلك قد تنشأ المشكلة، فكل صاحب عقلٍ يحتاج إلى أدوات لفهم النقول والنصوص، وهذا لا يتحقق إلا بالعلم الأصولي؛ لا بل هناك أشياء قد تُفْهَم بطريق الفطرة السوية التي فطر الله بها الخلق؛ ولكن الانجراف وراء الأهواء قد يحرف العقل عن مساره الفطري.

فالعقل في نظر العامة مِن الناس يُعتبر بمثابة مَلَكة تميِّز الإنسانَ عن باقي الكائنات الأخرى، وذلك على مستوى السلوك والتفكير، وتختلف هذه المَلَكة من شخص لآخر؛ قال الله – تعالى -: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].

وعلى هذا الأساس يتمُّ التمييز بين الإنسان العاقل والفاقد للعقل، أو مختلِّه أو ناقصه، ولقد نشأتْ على مدى العصور فلسفاتٌ كثيرة تناولتْ شأنَ العقل، فمنها من قام بإعطائه السلطةَ المطلقة، ومنها ما عطَّل العقل عن فَهْم الحياة، وجاء الإسلام الذي أعطى العقل أهميةً واضحة، فهو الأساس في فهم النقل، ولا تعارض بينه وبين العقل، فلولا العقل لما فُهمت النصوص، ولما استُنْبِطت الأحكام[1].

ولنفهم معنى العقل لغةً؛ نَرجِعُ إلى أهل اللغة؛ حتى نفهم ما المقصود بالعقل أصلاً؟ فكم من متكلِّم بالعقل ولا يستطيع أن يخبرنا ما هو العقل لغة وماهيةً!

فالعَقْلُ: هو العِلْمُ بِصفاتِ الأشْياءِ، من حُسْنِها وقُبْحِها، وكمَالِها ونُقْصانِها، أو العِلْمُ بخَيْرِ الخَيْرَيْنِ وشَرِّ الشَّرَّيْنِ، أو مُطْلَقٌ لأُمورٍ أو لقُوَّةٍ بها يكونُ التمييزُ بين القُبْحِ والحُسْنِ، ولمَعانٍ مُجْتَمِعةٍ في الذِّهْنِ، يكونُ بمُقَدِّماتٍ يَسْتَتِبُّ بها الأغْراضُ والمصالِحُ، ولهَيْئَةٍ مَحْمودةٍ للإِنْسانِ في حَرَكاتِه وكَلامِه[2] ا.هـ.
ولكن نسأل: من أين نشأت نظريات الفلاسفة والمتكلِّمين في ماهية العقل، حتى أُثير الجدلُ بين العقل وبين النقل؟

هي فكرة قديمة تكلَّم بها الفلاسفة الإغريق واليونان، والفلسفات الشرقية القديمة، ووجدت جذورها بدايةً في اللاهوت والفكر الديني عمومًا، قبل تكوُّن النظريات العلمية، وركَّزت على العلاقة بين العقل والروح (أو الجوهر الإلهي المفترض للذات الإنسانية)[3].

فقد ذهب أرسطو (384 - 322 ق.م) إلى أن هناك عقلاً بالفعل، وعقلاً بالقوة، فأحدُهما فاعل، والآخر منفعل، ولا يستغني أحدهما عن الآخر[4].
وقد نشأ في العصر الذهبي عند اليونان نزاعٌ بين الفلسفة والدِّين، وعُرفت مجموعة من الفلاسفة عُرفوا بالسُّفسطائيين، فهُم الذين اخترعوا لأوربا النحوَ والمنطق، وطبقوا التحليل على كل شيء، وأبَوْا أن يعظِّموا التقاليد المتواترة التي لا تؤيِّدها شواهدُ الحس أو منطق العقل، وكان لهم شأن كبير في الحركة العقلية التي حطَّمت آخرَ الأمرِ دينَ اليونان القديم، ولقد اتَّهمهم سقراط بقوله:

لقد دمَّر السفسطائيون إيمانَ الشباب بآلهتهم، وحطموا القانون الخُلقي، الذي كان يعزِّزُه خوفهم من عقاب الآلهة لو قاموا بارتكاب ما يخالف رضاها، وأصبح من الواضح أنه لا مانع من أن يسير الإنسان على هواه، ويفعل ما يطيب له[5].

فماذا عن سفسطائيي هذا العصر؟ هل يريدون أن يقوموا بالدور الذي حضَّ عليه سفسطائيو الإغريق بنسف القيم الدينية والأخلاقية؛ بدعوى حرية العقل وتحرُّره، مع أنهم قيَّدوا عقولهم بهذه الفلسفات، وتركوا ما هو من عند الله؟!

قال الله – تعالى -: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].

أمَّا شأن العقل عند مَن فَهِمَ وظيفتَه، وما أراد الله من أنَّه آلةٌ لفهم الشريعة وأحكامها، فالأمر مختلف، فلقد أعلى الله شأنَ العقل ودوره.

يقول أبو حاتم البستي (المشهور بابن حبان): العقل نوعان: مطبوع ومسموع، فالمطبوع منهما كالأرض، والمسموع كالبذر والماء، ولا سبيل للعقل المطبوع أن يخلص له عمل محصول، دون أن يرد عليه العقل المسموع، فينبهه من رقدته، ويطلقه من مكامنه، يستخرج البذر والماء ما في قعور الأرض من كثرة الربع[6] ا.هـ.

ولقد أحسن مَن قال واصفًا العقلَ:

رَأَيْتُ العَقْلَ نَوْعَيْنِ فَمَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعُ

وَلاَ يَنْفَعُ مَسْمُوعٌ إِذَا لَمْ يَكُ مَطْبُوعُ

كَمَا لاَ تَنْفَعُ الشَّمْسُ وَضَوْءُ العَيْنِ مَمْنُوعُ


فهذا هو التكامل بين ما هو فطري، وما هو مكتسب بالعلم المجرد من الهوى، هو أكمل العقل وأتمُّه، فهذا الذي يوفِّقه الله للفهم الصحيح مع وجود الإيمان الفطري الذي جُبِلنا عليه.

وبذلك قال ابن الجوزي - رحمه الله - أيضًا: "فإن أعظم النِّعم على الإنسان العقل؛ لأنه الآلة في معرفة الإله - سبحانه - والسبب الذي يتوصَّل به إلى تصديق الرسل... فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحتْ وكانت سليمة، رأتِ الشمس.

ولمَّا ثبت عند العقل أقوالُ الأنبياء الصادقة، بدلائل المعجزات الخارقة، سلم إليهم، واعتمد فيما يخفى عنه عليهم.

ولمَّا أنعم الله على هذا العالم الإنسي بالعقل، افتتحه الله بنبوة أبيهم آدم - عليه السلام - فكان يعلمهم عن وحي الله - عزَّ وجلَّ - فكانوا على الصواب، إلى أن انفرد قابيل بهواه، فقتل أخاه، ثم تشعبت الأهواء بالناس فشرَّدتْهم في بيداء الضلال، حتى عبدوا الأصنام، واختلفوا في العقائد والأفعال، اختلافًا خالفوا فيه الرسل والعقول، اتِّباعًا لأهوائهم، وميلاً إلى عاداتهم، وتقليدًا لكبرائهم، فصدَّق عليهم إبليسُ ظنَّه فاتَّبعوه، إلا فريقًا من المؤمنين ا.هـ[7].

فالمشكلة إذًا ليست في العقل كفطرة سوية، وإنما كهوًى متَّبعٍ، فهذا هو السبب في الجدل المفتعل، وهو السير وراء سراب العقول التي خالطها الهوى.

ويقول العلامة الشوكاني - رحمه الله -: لقد كان السلف يقولون: إن العقل عقلان: غريزي، ومكتسب؛ فالغريزي هو ما نسميه بالمقدرات العقلية، من فهم، وإدراك، وفقه، واتِّساق في الكلام، وحسن تصرف، وهذا العقل الغريزي هذا هو مناط التكليف، فمَن لا عقل له، لا يُكلَّف، ومَن فَقَدَ بعض مقدراته العقلية، فإنما يكلف بحسب ما بقي له منها[8] ا.هـ.

فلولا هذا العقلُ إذًا، لَمَا كان هناك تكليف لصاحبه، وهو الذي تُسْتَوعب النصوصُ والنقول به، فنؤمن بها، فلا يُؤوَّلُ صريحُها، ولا يُردُّ صحيحُها، كما يفعل أهل الأهواء بحجج تعارضها مع عقولهم؛ قال الله – تعالى -: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} [الجن: 13].

فالعقل يساعد على فهم الشرع، لا كما يظن الناس أن الأحكام الشرعية قد تنعقد من عقولهم وأفهامهم، إنما هي مُحْكَمَةٌ من عند المشرِّع؛ قال الله – تعالى -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

وكما صحَّ عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "لو كان الدِّينُ بالرأي، لكان أسفل الخفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه"[9].

فالمسألة فيها تسليم مطلق لما أراد الله ورسوله، فالطاعة هي الامتثال، حتى لو لم تفهم العقول حكمةَ الأوامر أو النواهي وعلَّتَها.

فالإيمان بما شرع الله والتسليم به ليس فيه كسرٌ للعقل وتحجيمٌ لقدرته كما يُدَّعَى؛ بل هذا من الفطرة السوية التي فُطر عليها ابن آدم، فتأمَّل معي كلام العلامة ابن الجوزي: "وهل يَشكُّ ذو عقلٍ في وجود صانع؟! فإن الإنسان لو مرَّ بقاعٍ ليس فيه بنيان، ثم عاد فرأى حائطًا مبنيًّا، عَلِمَ أنه لا بد له من بانٍ بناه، فهذا المهادُ الموضوع، وهذا السقفُ المرفوع، وهذه الأبنية العجيبة، والقوانين الجارية على وجه الحكمة، أمَا تدل على صانع؟! وما أحسَنَ ما قال بعض العرب: إن البعرة تدل على البعير! فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلي بهذه الكثافة، أمَا يدلان على اللطيف الخبير؟! ثم لو تأمَّل الإنسان نفسه، لكفَتْ دليلاً، ولشفتْ غليلاً؛ فإن في هذا الجسد من الحكم ما لا يسع ذكره في كتاب"[10] ا.هـ.

إذًا؛ فالعقل آمَنَ بوجود الخالق العظيم دون أن يراه، وقد دلَّ كلُّ شيء في الكون عليه؛ قال الله - تعالى -: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103].

فالكثير من النظريات العلمية التي تم برهنتُها لا يمكن رؤيتُها بالعين المجردة، وإنما يمكن الاستدلال عليها بنتائجها أو آثارها، وقد أنكرها العقل طويلاً.

فهل ترى العين جاذبية الأرض التي تجذب إليها كل الأجسام؟ لا، ولكن يمكن رؤية الأشياء وهي تسقط على الأرض.

هل ترى العين الروح التي تسكن في الأجسام الحية، فتوجد الفرق بين الحي والميت؟ لا، وهل ترى العين أصلاً العقل الذي يفرق بين العاقل والمجذوب؟ لا، وهل تستطيع العين أن ترى القوى التي يجذب بها المغناطيس قطعةَ الحديد؟ والجواب حتمًا: لا[11].

يقول الطبيب الفرنسي موريس بوكايل، بعد إجراء مقارنة علمية بين الأديان السماوية والعلم:
"ولا عجب في هذا إذا عرفنا أن الإسلام قد اعتَبر دائمًا أن الدين والعلم تَوْءَمان متلازمان، فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءًا لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام، وأن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدَّى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الإسلامية، تلك التي اقْتات منها الغربُ نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا"[12] ا.هـ.

فهذه شهادة حق لإعلاء الإسلام لشأن العقل، بوضعه في المكان الصحيح عن طريق العلم والعمل.

فكل أمر شرعي يخطر في بالك أنه يعارض الفطرة، فيجب أن تعلم أنه لا يخلو من أحد احتمالين :
- فإما أنه أمر شرعي، ولا يخالف الفطرة الصحيحة المستقيمة، فمخالفتُه للفطرة وهمٌ.
- وإما أنه يخالف الفطرة فعلاً؛ ولكنه لا يكون أمرًا شرعيًّا، وإنْ نَسَبَهُ الناس إلى الدين بغير علم ولا هدى[13].

فالعقل يحتاج إلى العلم والتخصص؛ حتى تتسع مداركه وأفهامه، فالعلوم كثيرة، والتخصص يجعل صاحبَه ما بين إصابة الحق على نحو قطعي وحصري، وما بين الظن العلمي القائم على المعطيات والحيثيات، والأدلة المحترمة والمعترف بها لدى أهل التخصص، على حين أن ظنون غير المتخصص كثيرًا ما تُبنى على مشاعرَ خاصةٍ، وانطباعات وأهواء شخصية، والفرقُ بين هذه وتلك كبير جدًّا.

فالعلم لا يحصِّله طالبه إلا بعد أن يبذل من المشقة والزمن الطويل، وتجارب الحياة كي تنضج تحتاج إلى زمن كافٍ، فالعلم الذي بين السطور لا يستفاد منه إلا مع التجارب العديدة، التي معها قد يكون العقل قد وصل إلى مرحلة النضج العقلي؛ قال الله – تعالى -: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15].

وكما كان حكيم اليونان الأكبر سقراط يقول: "إذا أردت أن تحصل على رجل ناضج، فإن عليك أن تنتظر 50 سنة".

بالرغم من أن هذا القول رمزي، إلا أن المراد منه الإشارة إلى أن الحصول على النضج الذي نريده يحتاج إلى وقت؛ ولكن من خلال تنمية العقل، ومن خلال توسيع قاعدة الفهم.

والنضج العقلي هو كالنضج النفسي، ليس محدودًا بحدود، ومهما شعرنا أننا نفهم الأمور على نحو تام وعميق، فإننا سنظل جاهلين في طرف منها؛ فكل الحوادث والأشياء والمواد تشتمل على عنصر غيبي، وهذا العنصر يحُول دون الحصول على المعرفة الكاملة؛ قال الله – تعالى -: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76][14].

ولننظر إلى هذه المناظرة بين العقل والعلم:

عِلْمُ العَلِيمِ وَعَقْلُ العَاقِلِ اخْتَلَفَا مَنْ ذَا الَّذِي مِنْهُمَا قَدْ أَحْرَزَ الشَّرَفَا

فَالعِلْمُ قَالَ أَنَا أَحْرَزْتُ غَايَتَهُ وَالعَقْلُ قَالَ أَنَا الرَّحْمَنُ بِي عُرِفَا

فَأَفْصَحَ العِلْمُ إِفْصَاحًا وَقَالَ لَهُ بِأَيِّنَا اللَّهُ فِي قُرْآنِهِ اتَّصَفَا

فَبَانَ لِلعَقْلِ أَنَّ العِلْمَ سَيِّدُهُ فَقَبَّلَ العَقْلُ رَأْسَ العِلْمِ وَانْصَرَفَا


إذًا؛ فالعقل السوي الذي قد نضج مع العلم والإيمان، هو العقل الذي لا يتعارض مع النقل، أما الذي قد امتزج بالهوى والمعاصي، فيأبى أن يُذعِن للفطرة السوية؛ لكثرة الران الذي قد كساه؛ قال الله – تعالى -: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14].

ولقد ظنَّ الإنسان - نتيجة التقدم العلمي المذهل - أنه قادر على كل شيء، حيث أصبح هنالك مَن يدعو للتمرُّد على شريعة الله، وعلى منهج الأنبياء والرسل، بحجة أن في الانقياد لمنهج الأنبياء والرسل حَجْرًا وامتهانًا لهذا العقل البشرى الجبار، الذي استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه من هذا التقدم العلمي المذهل، وبحجة أن البشرية والإنسانية قد بلغت مرحلة الرشد، التي تؤهلها لأنْ تختار لنفسها من المناهج، والقوانين، والأوضاع ما تشاء، وبحجة ثالثة، ألا وهي أن مناهج الدِّين لم تعد تسايِرُ روحَ العصر المتحررة المتحضرة[15].

فلنتأمل ولنتفكر في قدرة الله - عزَّ وجلَّ - ولنتأمل في عقولنا كم هي محدودة، فلنكرِّمها بطاعة الله وحده، وامتثال شرعه الحنيف دون إبطال أو تأويل؛ قال الله – تعالى -: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].

وفي الختام:

نذكر خلاصة قول أهل العلم: "لا يتعارض النقل الصريح مع العقل الصحيح"، فالشريعة قد حفظها الله من تأويل المتأوِّلين، وإبطال المبطلين، أما العقل، فمتغيِّر يتأثر بالهوى وزُخرُف القول والمعاصي، أو يُعْلَى شأنه بالعلم والتفكر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



من موقع الألوكة

SHAIMMAA
10-02-2010, 10:03 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا أخ عبد الرحمن

عبدالرحمن الدويرج
10-02-2010, 09:32 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا أخ عبد الرحمن





وجزاك الله بمثله كل خير ومثوبة ووفقك لرضاه