المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللاشعور



SHAIMMAA
06-04-2009, 10:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم



اللاشعور






http://www.toptraining.sa/uploaded/6_1244100558.jpg



فطن البشر ببديهتهم، منذ قديم الزمان إلى اللاشعور وأثره في حياة الإنسان، حيث أدركوا أن بعض أفعال الإنسان وأفكاره ليست نتاج تفكيره الواعي بل هي نتاج قوى خفية تؤثر فيه من حيث لا يدري أو لا يشعر. وكان الفيلسوف الألماني لايبنتز هو أول من لفت الأنظار إلى موضوع اللاشعور في العصر الحديث ولكن بحثه في اللاشعور لم يلق اهتمامًا واسع النطاق لأنه كان مقصورًا على المجال الفلسفي والأكاديمي فقط.


ثم جاء فرويد في أواخر القرن التاسع عشر وبحث في هذا الموضوع بحثًا مستفيضًا. وقد أثار بحثه ضجة كبرى في العالم، ونال رواجًا منقطع النظير، وقد وصف وليم جيمس نظرية فرويد بأنها «أعظم اكتشاف خلال مئة عام». ولا يجوز لنا أن نغالي في نظرية فرويد كما غالى الفلاسفة القدماء في المنطق القديم الذي وضعه أرسطو. فكل واحد منهما كان في زمانه ثورة تقدمية ساعدت على تطوير الفكر البشري، ولكنه صار بعدئذ عقبة في طريق هذا التطوير. لقد أظهرت الدراسات الحديثة كثيرًا من النقائص في نظرية فرويد. إن فرويد له فضل كبير في علم النفس وعلم النفس الاجتماعي، لأنه كان أول من لفت الأنظار في العصر الحديث إلى موضوع اللاشعور وأثره في حياة الإنسان.

ولكن عيب فرويد أنه جعل اللاشعور مقصورًا على الرغبات المكبوتة، ولا سيما الرغبات الجنسية. وقد تبين أن اللاشعور عالم زاخر تكمن فيه مختلف الدوافع والعوامل وليس مقصورًا على دافع واحد كما تصوره فرويد. هذا ويطلق مصطلح اللاشعور على جميع الدوافع التي تدفع الإنسان في مختلف نواحي الحياة بها يتصور أنه فعل ذلك بإرادته واختياره، بينما هو في الواقع مسير، فالحرية الفردية ليست على إطلاقها حيث يولد البعض أسرى في أغلال الثقافة وإكراهات المجتمع. نحن نظن أننا أحرار في المجتمع.والواقع أننا نعيش إكراهات متتالية في قفص الثقافة ومعتقل المجتمع. ومع هذا فإن هامش الحركة في المكان والفكر واللغة أفضل من البايولوجيا فيتقدم المجتمع بهامش الحرية الضئيل هذا من خيال الأفراد المبدعين. وقد وصف أحد الباحثين اللاشعور بقوله إنه يحتوي على منجم من الذهب وعلى مجموعة من النفايات في نفس الوقت.



وكان الباحث يعني بذلك أن اللاشعور يضم جوانب إيجابية وسلبية معًا. وحسب د.علي الوردي -عالم الاجتماع العراقي- فالعقل الباطن ليس جهازًا نفسيًا معينًا له خصائص ووظيفته الخاصة به. والواقع أن إطلاق معنى العقل عليه من باب التجويز والتبسيط. فهو ليس عقلًا ولا شيئًا مما يشبه العقل وإنما هو اصطلاح عام نقصد به جميع الفعاليات النفسية التي تؤثر في سلوك الإنسان وهو لا يشعر بها على حد تعبير عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي ويصفه بأنه مجموع الرغبات المكبوتة والحوادس الخارقة معًا. فكلا هذين النوعين من الحوافز ينبعث من أغوار النفس بدون أن يشعر به الإنسان. ثم يخلص إلى أن العقل الباطن حيز ذهني يجتمع فيه نوعان من الحوافز فهو مباءة العقد النفسية والرغبات المكبوتة من ناحية، وموئل الإحساس الخارق من الناحية الأخرى.


وهو بهذا مصدر للشر والخير معًا. ثم يصنف في كتابه خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة الذين يؤمنون بوجود العقل الباطن إلى فريقين:

الفريق الأول: هم أتباع التحليل النفسي، يعتقدون بأن العقل الباطن مكمن الرغبات المكبوتة التي لم يستطع الإنسان إشباعها لسبب من الأسباب. وهذه الرغبات تبقى في نظرهم محبوسة في العقل الباطن وهي تحت ضغط شديد ناتج عن رقابة العقل الواعي. فإذا تخدر هذا العقل أو ضعف أو غفل أو نام وجدت الرغبات المكبوتة في ذلك فرصة سانحة للخروج من حبسها وهي تظهر آنذاك بصور شتى وأساليب متنوعة، وأهم مجال تظهر فيه هذه الرغبات المكبوتة في نظرهم هو مجال الأحلام.

أما الفريق الثاني: فيعتقدون بأن العقل الباطن مصدر الإلهام في الإنسان وهو منبع العبقرية والاختراع وما أشبه.
لقد أصبحت اليوم القوى النفسية الخارقة من الحقائق العلمية ولقد توصلت الأبحاث والدراسات النفسية في الغرب إلى أن لدى الإنسان ملكات نفسية خارقة أهمها ثلاث وهي تناقل الأفكار (Telepathy) ورؤية الأشياء من وراء حاجز (Clairvoyance) والتنبؤ (Foreknowledge).



وللباحثين في موضوع القوى النفسية الخارقة طريقتان:

الأولى منها هي طريقة فحص الوقائع والتثبت من صدق شهودها وجمع الوثائق عنها.

والطريقة الثانية تقوم على أساس التجريب والإحصاء.


يشبه الإنسان الكمبيوتر مع الفارق الهائل في التعقيد، والمشكلة في الإنسان أنه يأتي إلى الدنيا لا يعلم شيئًا وعنده السمع والبصر والفؤاد، والفيلسوف ديفيد هيوم يرى في كتابه عن الطبيعة البشرية أن الدماغ في الإنسان يشبه لوحة شمع للتشكل. ولكن الفليسوف الألماني كانت قال بشيء اسمه المقولات العقلية أي أن الدماغ الإنساني مركب على نحو مسبق لنقل الحواس الخام إلى قالب مدركات ثم أفكار. يقول الدكتور خالص جلبي: «يعتبر الدماغ الإنساني هو مركز التعقيد الفعلي لأنه المكان التشريحي والفيزيولوجي الذي تجري فيه العمليات العصبية بدءًًا من التصورات وتحليل المعلومات واستيعابها وخزنها بالذاكرة وانتهاءً بالنطق والاتصال.



وبعد الوصول إلى فك كامل الشيفرة الوراثية اصطدم العلماء بحقيقة أن أكثر الجينات تعمل لمصلحة الدماغ وعلى نحو تبادلي برقم فلكي مرعب. ونحن نعرف اليوم أن خلق الإنسان يتم من خلال حوالي 140 ألف أمر جيني. ولكن الرقم التبادلي هو الذي يصيبنا بالدوار. فمثلًا عرف أن الجينات أي الأوامر الوراثية المسؤولة عن تنظيم الضغط الدموي ليست جينًا واحدًا مفردًا بل حوالي 200 جين في ضفيرة متبادلة التأثير. وحتى نقترب من التعقيد المخيف في أدغال غابة المخ فعلينا ملاحظة لوحة الفيديو الداخلي، فإذا كانت لوحة الفيديو فيها مائة نقطة فالدماغ فيه لا يقل عن مائة مليار خلية عصبية.



ومعنى هذا أن عمل الجسم يقوم على شبكات لا نهائية إذا أخذنا في عين الاعتبار أن كل نورون عصبي هو كوكب دري في سماء الدماغ، وهي ليست مجرات تتباعد عن بعضها كما في النظام الفلكي، بل خلايا عصبية تتصل فيما بين بعضها البعض بمحاور على نحو مذهل. وكل خلية عصبية عندها لا يقل عن ألف ارتباط وبعض خلايا المخيخ مثل خلايا بوركنج عندها 200 ألف ارتباط. وحتى الآن نحن على السطح التشريحي ولم ندخل الدغل المخي تمامًا، ومما كشف عنه أن الوعي هو شيء قشري سطحي مقابل اللاوعي أو العقل الباطن الذي يتحكم فينا بآليات غير مفهومة ولا تخضع للمنطق.



ومما عرف أن الوعي واللاوعي أو العقل الباطن لا يشتغلان سوية وهما يشبهان المتغيران في معادلة رياضية واحدة وهي عند الرياضيين معادلة غير قابلة للحل. وهذا يعني أن الإنسان يشكل معادلة غير قابلة للحل علمياً. وتذهب مدرسة أريسكون ملتون في محاولة لاكتشاف علاقة اللغة بالعقل الباطن. فاللغة العليا تكلم الوعي المباشر أما اللغة الرمزية فإنها تتسلل إلى العقل الباطن فتكون أبلغ في التأثير. ومنه نفهم معنى ما قاله علماء البلاغة أن المجاز أفضل من الحقيقة أحيانًا، وأن الكناية أبلغ في الإفصاح، وأن الاستعارة أقرب من التصريح. وهدف قصص ألف ليلة وليلة كانت محاولة لمداواة مريض نفسي محطم مغرم بالقتل هو الملك شهريار من خلال القصة التي تنفذ إلى اللاوعي مباشرة فتعالجه على نحو غير مباشر.


يروى أن ابن سينا الفيلسوف المعروف كان إذا صعبت عليه مشكلة توضأ وصلى ثم نام فيرى حل تلك المشكلة في أحلامه ويروى مثل هذه القصة عن الفيلسفوف الفرنسي ديكارت فهو قد كشف كشوفه العظيمة كما يقال وهو نائم في فراشه صباحًا. وكل إنسان في ثناياه عبقري يحتاج للاكتشاف، وكثرة الطعام مهلكة، يتبعها نوم فاسد مفسد للروح، والكسل مهلكة يتبعه انطفاء الروح، ومن أجل قدح شرارة الهمة فلا بد من أهداف ومثل لامعة في الأفق، فكما يوقظ الصوت حاسة السمع، والمنظر الجميل حاسة البصر، كذلك كان المثل الأعلى محفزًا موقظًا للإرادة الخاملة، كما قال عالم النفس هادفيلد. إن العقل الباطن هو عقل الإيمان، بينما العقل الظاهر هو عقل التفكير والشك والتفلسف.والطريقة الحديثة في استثمار العقل الباطن هي طريقة الإيحاء والتكرار.




ومن الجوانب السلبية من اللاشعور في حياة الإنسان الاجتماعية يذكر عالم الاجتماع العراقي الوردي:
التعصب التقليدي والاتجاه العاطفي. والدافع المصلحي والأنوية والتجارب المنسية والرغبات المكبوتة.



وأما الجوانب الإيجابية من اللاشعور يرى الوردي أن معظم المخترعات الكبرى والأفكار المبدعة في التاريخ البشري هي نتاج ومضات خاطفة انبثقت في لا شعور بعض الأفراد بين حين وآخر.


ثم يذهب إلى القول إن معظم الناجحين في الحياة قد استمدوا نجاحهم من استثمار مواهبهم اللاشعورية على وجه من الوجوه. والقوى اللاشعورية تنبثق من أغوار النفس ولها أثر لا يستهان به في نجاح الفرد أو نبوغه أو تفوقعه. إن التقصد والتكلف والتعجل أمور مناقضة لحوافز اللاشعور ومفسدة له. وفي الواقع نلاحظ أن كثيرًا من أسباب النجاح آتية من استلهام اللاشعور والإصغاء إلى وحيه الآتي فإذا تعجل المرء أمرًا وأراده وأجهد نفسه في سبيله قمع بذلك وحي اللاشعور وسار في طريق الفشل.


إننا لا نقلل من أهمية الجهد والإرادة والسعي أو ننكر أثرها في نجاح الفرد لكن هناك أوقات يحتاج فيها الفرد إلى السعي والجهد وهناك أوقات تقتضي من الفرد الانسياب والاسترسال واللامبالاة وقلة الحرص والسعيد هو من استطاع أن يفرق بين هذه الأوقات، هناك جانبان في اللاشعور لهما الأثر الكبير في إبداع الإنسان أو في نجاحه. وكثيرًا ما يقع الإنسان في خطأ مهلك حين يعتمد في حياته على التفكير المنطقي الواعي وحده، ويهمل الومضات الإبداعية أو الخارقة التي تنبثق من عقله الباطن. إن مواهب الإنسان كثيرة ومتنوعة وما زال العلم يشعر بالعجز عن اكتناه الكثير منها ويمكن تصنيف مواهب الإنسان إلى صنفين رئيسين هما المواهب الذكائية والمواهب الخارقية. وفي عام 1982م جاء الباحث الأمريكي هوارد غاردنر بنظرية جديدة مفادها أن الذكاء ليس نوعًا واحدًا بل هو سبعة أنواع. فآينشتاين صاحب نظرية النسبية كان في طفولته لا يجيد الكلام وظل كذلك حتى آخر حياته.



وقد ظن أهله أنه لا خير فيه لأنهم كانوا يقيسون الذكاء بفصاحة اللسان وجودة النطق فهم لم يكونوا يعرفون أن آينشتاين لديه درجة عالية من نوع آخر من الذكاء ولو عاش آينشتاين في مجتمع متخلف لما تمكن من استثمار ذكائه الممتاز ولبقي طيلة حياته لا خير فيه. وأديسون المخترع العظيم لم ينجح في المدرسة في طفولته وكتب عنه مدير مدرسته أنه متخلف في ذكائه، فالمدير كان يقيس الذكاء بمقياس لم يكن ينطبق على أديسون ولو كان أديسون في مجتمع متخلف لصار مصيره كمصير آينشتاين لا خير فيه. واليوم نحن نعرف أن الذكاء ليس عقلًا صرفًا بل عقلا وعاطفة. يروى عن أديسون أنه وصف الاختراع الذي يبدعه أي مخترع بأنه في معظمه حصيلة الجهد والتعب أما الإلهام فليس له في إنجاز الاختراع سوى نصيب قليل جدًا.


إن الله يخلق البشر من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئًا فيجعل لهم السمع والبصر والفؤاد فيهديه السبيل إما شاكرًا وإما كفورا، وما يجعل الإنسان ينمو هو العلم، وقل رب زدني علمًا، ورجل صالح عالم علم النبي موسى الأسرار. وليس هناك من إنسان متفوق وإنسان دون ذلك إلا بالجهد، أو هو على حد تعبير أديسون 2 بالمائة نتيجة الإلهام و98 بالمائة نتيجة العرق وهذا قول فيه مبالغة ولكنه مع ذلك لا يخلو من الحقيقة. إن في أغوار اللاشعور قوى مبدعة تستطيع أن تقود الفرد في سبيل النجاح لو أحسن استثمارها. وفوق كل ذي علم عليم.



منقول


مع تحياتى